أصدر مرصد رقابة بتاريخ 28 جوان 2021 بيانا للرأي العام تضمن على وجه الخصوص الإشارة إلى خروقات قانونية جوهرية ومضامين خطيرة وخلفيات مشبوهة تتعلق بمشروع أمر حكومي لتنقيح وإتمام الأمر عدد 1039 لسنة 2014 المؤرخ في 13 مارس 2014 الخاص بتنظيم الصفقات العمومية. وكنا قد طالبنا رئيس الحكومة هشام المشيشي بشدة بإرجاء هذا الأمر إلى حين تفعيل المجلس الأعلى للطلب العمومي المنصوص عليه بالفصل 144 من الأمر 1039 آنف الذكر وكذلك توسيع دائرة الاستشارة بخصوص هذا المشروع مع كافة الأطراف المعنية بما فيها بعض مكونات المجتمع المدني التي يمكنها إنارة السبيل في هذا المجال
ولكن رغم كل ذلك، بلغنا أن مشروع الأمر الحكومي المذكور مدرج للتداول بجدول أعمال مجلس الوزراء المبرمج لهذا اليوم الخميس 08 جويلية 2021، وفي هذا تأكيد للنوايا المشبوهة، التي كنا قد أشرنا إليها، للأطراف التي أعدت هذا المشروع وعلى رأسها المشرف على الهيئة العليا للطلب العمومي خالد العربي والاشخاص النافذين الداعمين له بديوان رئيس الحكومة بالقصبة مثل مدير الديوان المعز لدين الله المقدم ابن الهيئة العليا للطلب العمومي والمستشار برتبة وزير رشاد بن رمضان وكذلك الكاتب العام للحكومة وليد الذهبي
يبدو أن القناعة لدى المجموعة المذكورة أصبحت ثابتة بأن رحيل هذه الحكومة بات وشيكا وأنه لا مجال لإضاعة الوقت وتفويت الفرصة لتمرير هذه التعديلات على المقاس والتي تشكل في تقديرنا انتكاسة لحوكمة الصفقات العمومية ببلادنا وتكرس الفساد وقد تخدم أيضا مصلحة لوبيات في القطاع الخاص
ولا يمكن لما تضمنته وثيقة شرح الأسباب المرفقة بمشروع الأمر الحكومي المذكور من دوافع لهذه التنقيحات، مغالطتنا. فهي تتضمّن كلمات حق أريد بها باطل وهي مجرد تمويه لدفع مجلس الوزراء إلى المصادقة على المشروع، ولاسيما الحديث عن تسهيل الشراءات والصفقات العمومية المرتبطة بجائحة الكوفيد ودفع عجلة الاقتصاد والتنمية وتخفيف الرقابة المسبقة… وهو كلام فضفاض حيث يتيح الفصل 49 من الأمر المنظم للصفقات العمومية الحالي إنجاز صفقات بالتفاوض المباشر كلما تعلق الأمر بمسائل متأكدة وطارئة ومرتبطة بالمصلحة العليا للبلاد، ولكن الإشكال الكبير يبقى في تطبيق هذه الأحكام بالسرعة المطلوبة من المشترين العموميين
ونستحضر في هذا السياق تجربة وزارة الصحة التي رغم أن الحكومة دعتها بوضوح إلى انجاز صفقات بالتفاوض المباشر بالنسبة للاقتناءات المرتبطة بمجابهة جائحة كورونا، الا أنها لم تقم بذلك بما يلزم من سرعة نتيجة أسباب تعود إليها ومنها التأخير في تحديد الحاجيات وضبط الخصائص الفنية المطلوبة
إن مشروع الأمر الحكومي المزمع إصداره، بالإضافة إلى الاخلالات والخلفيات المشبوهة التي سبق لنا التطرق لها، يتضمن إدراج اجراءات جديدة تتعلق بالصفقات العمومية تبعث بالفعل على الاستغراب والريبة، ومن ذلك اعتماد العرض التلقائي (المعتمد حاليا في مجال اللزمات والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص) في الصفقات العمومية؟؟؟
كيف يمكن أن نتحدث عن عروض تلقائية في الصفقات العمومية؟ والحال ان الصفقة العمومية تعرف بأنها عقد كتابي لتلبية حاجيات مشتري عمومي تم ضبطها بصفة مسبقة، وأن مفهوم العرض التلقائي يقتضي أن جهة معينة تتقدم بمقترح مشروع للجهة العمومية لم يكن مطروحا لديها أصلاً، وليس الأمر كذلك في الصفقات العمومية؟
كيف يمكن أيضاً الترخيص للمرور إلى ابرام الصفقة مع صاحب العرض المرتب ثانيا ومناقشة الأسعار معه في صورة تلكؤ صاحب العرض المرتب أولا في ابرام الصفقة؟ ألن يتسبب ذلك بوضوح في التواطؤ بين المزودين؟ ألم نعتبر من التجارب السابقة؟ أليس ذلك مطية للفساد بترخيص من الدولة؟
تبعا لكل ما تقدم، وأمام اختيار حكومة المشيشي لسياسة الهروب إلى الأمام والمرور بقوة لتمرير التعديلات المشبوهة فقد قررنا في مرصد رقابة ما يلي
التنبيه بواسطة عدل تنفيذ صبيحة هذا اليوم وقبل انعقاد مجلس الوزراء على رئيس الحكومة بسحب مشروع الأمر الحكومي المزمع إصداره من جدول الأعمال إلى حين استيفاء الاجراءات القانونية والاستشارات المستوجبة بشأنه مع ضرورة تكليف أطراف محايدة عن الهيئة العليا للطلب العمومي وعن القصبة لتقييم محتوى هذه التعديلات وجدواها وارتباطها الفعلي بحوكمة الصفقات العمومية
ان اقتضى الأمر وفي صورة فرض سياسة الأمر الواقع من حكومة المشيشي، الطعن في الأمر الحكومي المزمع إصداره أمام القضاء مع القيام بحملة اتصالية لدى كل الجهات المعنية لكشف تفاصيل هذه التعديلات وخلفياتها الحقيقية ومدى ضربها لمفاهيم الحوكمة وحسن التصرف في المال العام.
مواصلة المتابعة الحثيثة لهذا الملف وإطلاع الرأي العام بكل ما يستجد في هذا الشأن
:للإطلاع على بيان مرصد رقابة بتاريخ 28 جوان 2021 حول هذا الموضوع
